القطن العربي: بين الأصالة والمعاصرة تحديات كبيرة

20 يناير 2025
Saleh Al-Halabi
القطن العربي: بين الأصالة والمعاصرة تحديات كبيرة

يتربع القطن على عرش نباتات الألياف التي تدخل في الصناعة، هذا ورغم أنّ زراعته لم تتسع إلا منذ القرن الثامن عشر الميلادي, وذلك بعد اكتشاف آلة فصل القطن عن بذرته وآلة الغزل، ثم النسج الآلي. يدخلُ القطن في العديد من الصناعات بجانب صناعة الملابس, كصناعة القطن الطبي, وصناعة المفروشات إضافة إلى ما يستخرج من بذرته من زيت، وعلفٍ للحيوانات.


في مقالتنا هذه, سوف نلقي الضوء على واقع انتاج القطن في أهم أربعة بلدان عربية منتجة له, مع الحديث عن أبرز العقبات والتحديات التي تواجهها هذه البلدان في سبيل ازدهار الصناعات القطنية لديها.


  • زراعة القطن في السودان:

اكتسب السودان خبرةً واسعةً في مجال زراعة القطن نسبة إلى دخوله حيز الدورة الزراعية منذ ثلاثينات القرن الماضي في عهد الاحتلال البريطاني, بغرض تغذية المصانع بحاجتها من خام القطن الذي يزرع في مساحة تصل إلى 600 ألف فدان في مشروع الجزيرة, الذي يعود تأسيسه إلى سنة 1925 كأكبر مشروع زراعي في القارة الإفريقية.

يُعتبر القطن البري في السودان من النباتات المحلية منذ أزمان قديمة. غير أنّ زراعته بصورة متأنية وواعية للأغراض التجارية لم تحدث إلا بعد أن أُدْخِلَ للسودان في سنوات الماضي القريب نسبياً. ويكمن السبب الرئيس في نجاح المشروع البريطاني في اتجاه القوة الحاكمة وموقفها تجاه المشاكل التي تواجه عملية انتاج القطن.


ويزرع القطن في السودان على حوالي 100-200 ألف هكتار، تتفاوت من سنة إلى أخرى, حيثُ تتطلب زراعة القطن مناخ حار وجاف (درجة الحرارة المثلى للزراعة 25 - 30 درجة مئوية). ويتم تروية محاصيل القطن على نظامي الري بالغمر أو بالأمطار في المناطق البعلية. وعندما تتفتح لوز القطن 45-50% يبدأ الحصاد اليدوي, ويتتابع لاحقاً كل 14 يوم (3-5 جمعات) حتى يتم الانتهاء من كل المحصول.


يُصدّر معظم إنتاج السودان من القطن (90٪) كمواد خام حيثُ يشكل القطن مصدراً هاماً للنقد الأجنبي. كما يُستخدم محلياً للغزل والنسج وكذلك كمصدر لصناعة زيت القطن, وكغذاء للحيوانات (مخلفات كبس البذور).



  • زراعة القطن في مصر:

تمثلُ صادرات القطن مصدراً مهماً لجلب النقد الأجنبي لدى عديد من الدول منخفضة الدخل يساعدها على تغطية فواتير استيرادها للأغذية. وتعد مصر مثالاً بارزاً على ذلك، حيث كان "الذهب الأبيض" يمثل ركيزة أساسية لمعيشة الفلاحين المصريين. ورغم تراجع مصر عن قائمة أكبر خمسة منتجين للقطن عالمياً، إلا أنها تحتفظ بمكانة تاريخية عريقة في هذا المجال، حيث كانت رائدة في زراعته وتصديره لآلاف السنين. وقد أسست مصر بورصة القطن بالإسكندرية، والتي تعدّ أقدم بورصة في الشرق الأوسط، مما يؤكد عمق جذور هذا المحصول في الاقتصاد المصري.


بلغت زراعة القطن في مصر أوج ازدهارها في خمسينيات القرن الماضي، حيث احتلت مساحة شاسعة من الأراضي الزراعية وساهمت بشكلٍ كبيرٍ في الناتج القومي. ومع ذلك، شهدت مساحة زراعة القطن انخفاضاً حاداً خلال العقود الماضية، لتصل إلى نسبة ضئيلة من إجمالي المساحة الزراعية.

عانى القطن المصري خلال الموسم الماضي 2023-2024 من مشكلاتٍ إنتاجيةٍ وتسويقيةٍ تعلقت بنقص الدولار وارتفاع كلفة الإنتاج وتراجع الجدوى الإنتاجية من زراعة المحصول، مما دفع المنافسين العالميين في قطاع الغزل والنسج، خصوصاً في باكستان والهند والصين، إلى توسيع حصتهم في السوق العالمية على حساب المنتجين المصريين.


  • زراعة القطن في سوريا:

يُعد القطن أحد أهم ركائز الزراعة السورية، حيث يحظى بتاريخ عريقٍ ويمثل محصولاً استراتيجياً. تتركز زراعته بشكل رئيسي في منطقة الجزيرة السورية، شمال البلاد، والتي تشتهر بإنتاجها لكمياتٍ كبيرةٍ من هذا المحصول الثمين. يتميز القطن السوري بجودته العالية التي جعلته مرغوباً في الأسواق العالمية، خاصةً في أوروبا، حيث يدخل في صناعة المنسوجات الفاخرة.

تتمتع سوريا بصناعة نسيجية عريقة تعتمد بشكل كبير على القطن، وتنتج مجموعة واسعة من المنتجات القطنية ذات الجودة العالية، بدءاً من الخيوط وحتى الأقمشة المتخصصة. وتشمل هذه الصناعات أيضاً إنتاج الزيوت النباتية من بذور القطن، والتي تدخل في العديد من الاستخدامات الصناعية والطبية.

  • زراعة القطن في العراق:

لا يزال الإنتاج المحلي للقطن في العراق يعاني من نقص حاد، حيث لا يكفي لتلبية الاحتياجات المحلية. يعود ذلك إلى عدة عوامل، منها ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير مقارنة بالمحاصيل البديلة، وتضخم أسعار السلع المستوردة من الدول الصناعية والتي تدخل في عملية الإنتاج، بالإضافة إلى عدم توفر أصناف قطنية تتناسب مع الظروف البيئية والمناخية في العراق.

تزرع في العراق مجموعة متنوعة من أصناف القطن تختلف في خصائصها، مثل حجم النواة وطول الليف. ومع ذلك، شهدت المساحات المزروعة بالقطن انخفاضاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، وذلك بسبب السياسات الزراعية غير المشجعة، وعدم التوازن بين الإيرادات والمصاريف مقارنة بمحاصيل أخرى مثل الذرة وزهرة الشمس.

كما أن ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية والمحروقات، بالإضافة إلى ارتفاع أجور العمالة، قد أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج بشكل كبير. هذا الارتفاع في التكاليف، مقارنة بالانخفاض النسبي في أسعار القطن، جعل زراعة القطن غير مجدية اقتصادياً للعديد من المزارعين، مما دفعهم إلى التوجه إلى زراعة محاصيل أخرى.

زراعة القطن في العالم العربي تواجه تحديات جمّة تتطلب حلولاً مبتكرة وشراكات فعالة. من خلال الاستثمار في البحث والتطوير، وتبني تقنيات الزراعة الذكية، ودعم المزارعين، يمكننا ضمان استدامة هذا القطاع الحيوي. فالحفاظ على زراعة القطن ليس مجرد الحفاظ على محصول، بل هو الحفاظ على جزء من هويتنا وتراثنا العربي.