تعدّ ألياف القطن الألياف الطبيعية الأكثر استخداماً على هذا الكوكب. ويعود تاريخ استخدامها إلى حوالي 3500 سنة قبل الميلاد. اليوم، يتم إنتاج أكثر من 22 مليون طن من القطن الخام سنوياً، وتعد الهند والصين والولايات المتحدة أكبر المنتجين, حيثُ تنتج الدول الثلاث مجتمعة ما يقارب 70% من إجمالي حجم الإنتاج العالمي. ومع ذلك، فإن القطن نبات حساس جداً لتغير المناخ, حيث تشكل التبدلات الحالية الشديدة في المناخ تهديداً على الصناعات النسيجية القطنية.
- زراعة القطن والتغيرات المناخية:
تتطلب درجات الحرارة المتزايدة المزيد من المياه، خاصة أثناء نمو أزهار ولوزات القطن (وهي الكرات البيضاء الرقيقة التي يتم حصادها من أجل غزل ألياف القطن). اليوم، يُزرع ما يقدر بحوالي 73% من القطن بالري الكامل أو الجزئي.
تؤثر عوامل عديدة على تغير إنتاجية القطن حول العالم منها: ارتفاع درجات الحرارة والجفاف ومحدودية المياه العذبة وأنماط هطول الأمطار التي لا يمكن التنبؤ بها في مناطق زراعة القطن الحالية. ولن يؤثر هذا على الاقتصاد المحلي للعديد من الدول فحسب، بل سيؤثر أيضاً على سلاسل التوريد العالمية. حيثُ أشارت الإحصائيات الحديثة أنه بحلول عام 2040، من المرجح أن تشهد 40% من المناطق المنتجة للقطن تقصيراً في مواسم زراعة القطن.
تؤكد تقارير الخبراء أن الطقس القاسي بالفعل أدى إلى تزايد التقلبات في أسعار القطن. فعلى سبيل المثال, سببت الفيضانات واسعة النطاق في باكستان في عام 2010 ارتفاع أسعار القطن العالمية من 0.70 دولار إلى 2.50 دولار. وأكدت التقارير إن خسائر المحاصيل صعبة بشكل خاص على مزارعي القطن في العالم النامي الذين يشكلون نحو 90% من مزارعي العالم.
- جهود عالمية نحو حلول مستدامة:
إن الجهود المبذولة للتكيف مع الظروف المتغيرة من خلال تغيير أوقات الزراعة وتعزيز الري وتزويد المزارعين بالتنبؤات المناخية يمكن أن تساعد البعض على التكيف بشكل أفضل.
ولكن ما لم يتم خفض الانبعاثات، فإن بعض مناطق زراعة القطن ستصبح غير مناسبة لنمو المحصول في المستقبل. وفي تلك المناطق، يتعين على الحكومات ضمان "انتقال عادل" للمزارعين، مثل مساعدتهم على تبني محاصيل جديدة أو توفير شبكات الأمان الاجتماعي.
تعمل الشركات الزراعية والمساهمين اليوم على تبني الممارسات الزراعية المستدامة وبناء قدرات المزارعين لتطوير حلول ذكية تحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، مما سيساهم في تحسين حياة المزارعين وسبل عيشهم من خلال تعزيز إنتاجية المحاصيل، وتحسين الأمن الغذائي.
كما يعتمد التوجه الحالي على زياردة الغطاء النباتي, ولعلّ الزراعة الحراجية هي أفضل طريقة لذلك مع الحفاظ على زراعة القطن التقليدية. هذه العملية توفر خدمات بيئية متعددة، مثل الحفاظ على التنوع البيولوجي وعزل الكربون، فضلا عن منع تآكل التربة وتحسين خصوبة التربة. كما تزود الأشجار المجتمعات المحلية بالخشب للوقود والفواكه ومصدر للدخل، دون التأثير على القطن والمحاصيل الأخرى التي يزرعونها.
في النهاية، يواجه قطاع زراعة القطن تحديات كبيرة بسبب التغير المناخي، ولكن هناك فرصاً واعدة أيضاً. من خلال تبني ممارسات زراعية مستدامة تمكّن للمزارعين التكيف مع الظروف المتغيرة وحماية مستقبلهم. كما أن الاستثمار في البحث والتطوير لإنشاء أصناف قطنية أكثر مقاومة للجفاف والأمراض يعد أمراً حيوياً. بعبارة أخرى, يتطلب مواجهة هذا التحدي تعاوناً وثيقاً بين المزارعين، الحكومات، والمنظمات الدولية.